السنن الكبير

كتاب “السنن الكبير” للإمام البيهقي

يُعدّ كتاب “السنن الكبير” للإمام البيهقي من أوسع وأدقّ ما أُلّف في جمع نصوص الأحكام الشرعية، وقد احتلّ مكانة رفيعة بين كتب الإسلام، حتى قال فيه الإمام الذهبي مؤيدًا قول عزّ الدين بن عبد السلام حين قال : “ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل “المحلى” لابن حزم، وكتاب “المغني” للشيخ موفق الدين المقدسي، فقال الإمام الذهبي : “لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثهم: “السنن الكبير” للبيهقي، ورابعهم: “التمهيد” لابن عبد البر”. فقد أجمع العلماء على أنه من أعظم الكتب التي خدمت الحديث الشريف

رتّب الإمام البيهقي كتابه على الأبواب الفقهية، وحرص على أن يورد تحت كل باب الأحاديث المناسبة له، سواء كانت مرفوعة للنبي ﷺ أو موقوفة أو مقطوعة، مع عزو الروايات إلى مصادرها، وبيان أسانيدها وعللها، والحكم على رواتها في كثير من المواضع. كما اهتم بإبراز الخلاف في الرواية، وذكر غريب الألفاظ، وبيّن وجوه الاستدلال، وشرح موارد التعارض الظاهري بين الأحاديث، وسعى إلى الجمع بينها أو الترجيح متى لزم الأمر

ولم يقتصر البيهقي على النقل، بل ظهر اجتهاده واستنباطه في كثير من المواضع، كما كان يخرج الأحاديث من كتب الحديث المعتمدة، ويُظهر مقدار الالتقاء في السند بين روايته ورواية تلك المصادر. إن كتاب “السنن الكبير” ليس مجرد تجميع للروايات، بل هو موسوعة حديثية فقهية نقدية، تعكس عقلًا محدثًا ناقدًا، وفقيهًا مدققًا، ومدرّسًا واعيًا لطبيعة الاستدلال وتنوع المذاهب. وقد أصبح مرجعًا لا غنى عنه لطلاب العلم في الحديث، والفقه، وأصول الاجتهاد، ومثالًا فريدًا في الجمع بين الرواية والتحقيق والنظر